مدونة حلمي العلق

حق القتل

 | القصاص

مقدمة

كانت الآيات تشير أن للقتل حق

﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ﴾ الفرقان (68)

ولأن القتل يختلف في تعريفه وفي حالته، لذا فإننا سنتناول حق القتل حسب الوصف، حق القتل العمد، حق القتل الخطأ ، وحق قتل الإفساد . ونقول الحق من خلال التصنيف.

حق القتل

القصاص

تقول الآية الكريمة:

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة (179)

وهذه الآية الكريمة تقول أن العفو عن القاتل يعتبر نوع من أنواع القصاص من القاتل، وهذه الهبة للحياة لعل القاتل يتقي؟ وقد سبق هذه الآية آية القصاص في سورة البقرة آية 178 والتي أشارت إلى ذلك بقولها

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمعروف وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ البقرة (178)

أي بعد هذا العفو، فله عذاب أليم ، وهذا التهديد للطرفين، للعافي وللمعفي عنه. فالمعفي يجب أن يكف اعتداءه، والعافي يجب أن يعتبر هذا العفو قصاص قد أخذ أجره يوم القيامة، فلا يتراجع عنه لأنه عفو مأخوذ الأجر . وهذا المعنى هو ما نراه في الآية المحكمة التي درسناها في الحلقة الأولى من هذا الموضوع وهي آية ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) التي أشارت إلى العفو بكلمة التصدق ( فمن تصدق به فهو كفارة له ).

﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾ المائدة (45)

كفارة ودية قتل الخطأ

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ﴾ النساء (36)

تتحدث هذه الآية عن القتل في موضوع خاص، وهو أثناء حرب المؤمنين لأعدائهم، ولأن المؤمنين مختلطين بالمنافقين المعتدين المستهدفين بالقتل فقد يصدر أن يقتل المؤمن في هذه الحالة خطأً، أما قتل العدو المستهدف بالقتل فليس عليه دية. وقد نفهم من هذه الحالة الخاصة الحالة العامة والتي تتجسد في حياتنا العامة كالقتل بسبب حادث مروري، وفي هذه الحالة سنطبق الكفارة المذكورة لأنه قتل خطأ:

1-الدية: هي مبلغ مالي يدفعه القاتل خطأً لولي المقتول، وهذه الدية لم تحدد قيمتها في هذه الآية لأنها شيء يحدده العرف.

العفو في القتل الخطأ إجباري على ولي القتيل، أما في القتل العمد فهناك حالتان إما القصاص أو العفو. وقد يدفع البعض دية في حالة القتل العمد في حال العفو عن القاتل، رغبة في إرضاء النفوس وإصلاح الأمر بالإحسان، ولا شيء يمنع من ذلك.

2- تحرير رقبة مؤمنة: الأولى بتحرير الرقبة أن تكون مؤمنة، ولكن الآية لا تمنع تحرير رقبة غير مؤمنة في حال عدم توفرها.

3- فمن لم يجد فصيام شهرين متتاليين: في حال لم يجد مالاً يحرر به رقبة فعليه صيام شهرين متتاليين.

تماماً كما تشير الآية ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾ أي الذين لا يملكون المال الكافي من أجل النكاح.

الإسراف والإفساد في القتل

﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ الأنعام (32)

من حيث الكيفية يوجد قتل بسيط، وهو قتل نفس ، وهناك إسراف في القتل وهو قتل أكثر من نفس، هذا فيما يتعلق في الاعتداءات. أما فيما يتعلق بالقتل على أساس ديني،فإن الإكثار في القتل يسمى إفساد في الأرض. وقتل الإفساد قتلٌ مستهدف ومعني بالإكثار في القتل، لأنه قتل تصفية على أساس الدين أو العرق أو ماشابه، ويشمل هذا الإفساد: القتل أو التحريض أو التسبب فيه. لذا فإن الآية الكريمة في سورة البقرة التي تقول (الفتنة أشد من القتل) تقع في هذا السياق،كون أن إيقاع الفتنة المتسببة للقتال بين فئتين هو أشد من القتل ذاته ، فالقتل حادثة تنتهي بمحاسبة مرتكبها، أما الفتنة فيدور رحاها وتقتل جماعات وعلى مدى طويل من الزمان.

لذا فإن تحريض القرآن الكريم للنبي (ص) على قتال من يروج للفتنة كونه يستحق القتل من حيث أنه مشارك في القتل هذا أولاً ، وثانياً : كون هذه الفتنة تقتل المزيد من الناس. لذا استحق المفتن المؤسس للحروب القاتلة أشد العقوبات.

جاءت آية (من أجل ذلك) ، بعد الحديث عن ابني آدم ، وابني آدم قتل أحدهما الآخر على أساس ديني، رغم أنه قتل جنائي إلا أنه كان على خلفية دينية برز فيها عنصر الحسد ، على أساس تفوق أحدهما على الآخر ، وهنا جاءت هذه الآية 32 تقول كتبنا على بني إسرائيل لكي تمهد للآية 33 والتي قالت :

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ المائدة (33)

ففي آية من (أجل ذلك) النفس تقتل بالنفس أو بالفساد في الأرض ، وإذا كانت كلمة الفساد كلمة عامة إلا أن إحكام موضوع القتل يجعلنا نفهم أن الفساد المقصود به هو القتل على أساس ديني كما أسلفنا إكثار في القتل لأنه قتل على الهوية وعلى الطائفة، وما يؤيده ذيل الآية الذي يقول ( وإن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) ، والإسراف يكون في القتل ، وكذلك يمكننا أن نضع آية 64 نصب أعيننا في هذا الفهم ، حيث أن الآية تقول

﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ المائدة (64)

التي ربطت موضوع الفساد الذي يقوم به بعض أهل الكتاب بالحرب وليس بأي موضوع آخر، فهم يوقدون الحروب وبعد ذلك يسعون في الأرض تقتيلاً. لذا فإن الآية التي هي 33 عبرت عن جزاء هؤلاء الذين يسعون في الأرض في الحروب والتقتيل للرسول والمؤمنين ليس لشيء وإنما على أساس ديني ، ورفضاً للنبي ورسالته ، فجاء العقاب قتل بالتشهير .

يقتّل ، وليس يُقتل ، وفي هذا شيء من المبالغة في القتل ، لأن الموضوع حربي وليس جنائي، بمعنى أن الجاني يمسك وحكم عليه بالقتل ثم ينفذ فيه القصاص، أما المفسد الهارب فهو يقتل في المكان الذي يوجد فيه، وبالمثل في قوله يصلّبوا أيضاً فيها مبالغة مقارنة ب كلمة يُصلبوا «بدون الشدة» ، ففيها تفعيل وتأكيد على الصلب وفي الصلب قتل وتشهير ، والتشهير يكون في مكان المدينة ، أما من قتل خارج المدينة فلا يمكن صلبه ولا فائدة من ذلك لانتفاء فائدة التشهير . أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أيضاً هو نوع من أنواع القتل فيه شدة تنكيل ، فجرح اليد وجرح الرجل من خلاف يؤدي إلى النزف الشديد ومن ثم الموت . أو ينفوا من الأرض وهو الإجلاء من المكان، وفي هذه الحالة يكون الهدف هو إبعاد خطرهم عن المؤمنين ، وهو مقتضى الحال حين يحارب أحد على أساس أنه سيقتل مهاما طال الزمان أو قصر أو أنه يخرج من مكانه ، سيختار بأن يبتعد من منطقة من التهديد ليسلم على عمره. وهنا علينا أن نفهم أن جزاء قتل الإفساد هو رد بالمثل ، فإذا كان قتل الإفساد هو تصفية على أساس الطائفة ، فالرد هو تصفية لنفس القبيل أو الطائفة أو الفئة المقاتلة.