مدونة حلمي العلق

أوقات اليوم

 | times-of-the-day

مقدمة

تحدثنا في الحلقة السابقة في مقدمة هذه الدراسة عن موجز حول الصلاة في القرآن، وقلنا في ذلك الموجز أن القرآن الكريم تحدث عن أوقات الصلوات وأفعالها وأذكارها، وقبل أن نتحدث عن أوقات الصلاة وتحديدها من القرآن، نحدد أوقات اليوم حسب ما تحدث به القرآن الكريم.

تمهيد

وقبل البدء في الحديث عن أوقات اليوم علينا أن نتذكر أن الأصل في الرؤية في هذا الكون هو الظلام، والنور حادث على تلك الظلمة، لذا فإن للنور بداية وله نهاية، بداية النور - بالنسبة لنا - هي الخيط الأبيض الذي يعلن عن بداية الفجر جهة المشرق، ونهايته هي الشفق الأحمر من جهة المغرب والذي بنهايته تكون العتمة. وأما الشمس فهي دليل على أوقات النهار. ستكون هذه الحلقة مخصصة للحديث عن أول وقت النهار وفي وقتي الفجر والصباح، ونبدأ بالحديث عن موجز عن أوقات اليوم

موجز أوقات اليوم

ينقسم اليوم حسب الرؤية البصرية إلى جزئين ريئيسيين هما : الظلمات والضياء. ندرس أوقات الضياء من القرآن الكريم لأنها حادث على تلك الظلمة ويمكن تمييزها بصريًا، ونبدأ في أخذ موجز عن أوقات الضياء.

الذي يوجد الضياء هو شعاع الشمس، وللشمس حركتين رئيسيتين: الأولى تسمى الغدو وهو أن تغدو الشمس أي أنها تأتي وتقبل، والثاني هو الآصال وهو أن تعود الشمس إلى أصلها الذي كانت عليه، أول خيط من ذلك الضياء يظهر في الفجر من جهة المشرق قبل طلوع الشمس، وآخر ضياء هو من الشفق الذي يظهر من جهة المغرب بعد غياب قرص الشمس. نتحدث فيما يلي عن بداية الفجر وعلاقته بنهاية الليل، ثم عن بداية الصباح وعلاقته بنهاية الظلام، ونبدأ في الحديث عن الفجر:

الفجر

نتحدث عن الفجر في عنوانين رئيسيين :

الأول : تحديد بداية الفجر، والثاني : علاقة الفجر بنهاية فترة الليل.

مطلع الفجر

يمكن تحديد مطلع الفجر من خلال آية الرفث ليلة الصيام التي حددت بدايته لتحديد نهاية الأكل والشرب:

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ البقرة (187)

يبدأ الفجر مع أول خيط أبيض يبان في الأفق الشرقي، من هنا نقول قد بدأ أول أوقات الضياء أو النور بعد انقضاء عتمة الليل، ومع طلوع هذا الخيط يكون قد انتهى وقت الليل كما تؤكد على ذلك سورة القدر.

الفجر ونهاية الليل

يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ القدر (1)

ثم في الآية (5) يقول :

﴿ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ القدر (5)

تنتهي الليلة عند طلوع الفجر، هذا ما تؤكده هذه الآية بخصوص ليلة القدر وهو الحال مع أي ليلة، فعند طلوع الفجر تنتهي الليلة لكن لا ينتهي ظلامها، فظلامها يتسرح بالتدريج حتى يتهالك ويسيطر عليه ضياء النهار لينفلق بعد ذلك الصباح. وحتى نفرق بين الليلة وظلامها نفهم طبيعة الظلام.

طبيعة الظلام

ظلام الليل مكون من طبقات، وضياء الفجر القادم من شعاع الشمس يُذهب تلك الطبقات واحدة تلو الأخرى وبالتدريج، وحتى نفهم ذلك أكثر نذهب لوصف سورة النور للظلمة المانعة للرؤية، يقول الله عز وجل:

﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ النور (40)

يظهر في الآية الكريمة أن المانع للرؤية هي طبقات من الظلمات وليست طبقة واحدة ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ ، وبسبب تلك الظلمات المتراكبة تمتنع الرؤية ﴿ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ ، تلك الطبقات هي التي تحجب النور، وبالتالي تمتنع الرؤية. نحن بحاجة لهذا الوصف الدقيق في بحثنا هذا لفهم الشيئيين المتداخلين في المعنى، وهما نهاية الليل ونهاية الظلمات، فنهاية الليل لا تعني نهاية ظلمات الليل، نهاية الليل هي بداية تسريح طبقات الظلمات واحدة تلو الأخرى، وهذا ما يحدث في فترة الفجر والتي تستمر حتى تتسرح آخر طبقة من طبقات الظلمة، ومع تسريح كل تلك الطبقات يأتي الصباح الذي هو نهاية الظلمات، ولكي يتبين لنا هذا الأمر ننتقل لمعرفته من آيات القرآن الكريم:

الصبح

يأتي الصباح حين تنتهي الظلمات، ويبقى بعده أن يشتد الوضوح شيئًا فشيئًا، نتحدث حول الصباح في عناوين ثلاثة : بداية الصباح ، بكرة الصباح ، وعلاقة الصباح بالإشراق.

بداية الصباح

بداية الصباح هي آية من آيات الله، ويصفها القرآن بالفلق، تمامًا كما تنفلق البذرة فيخرج منها برعمها واضحًا بيّنًا:

﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ الأنعام (96)

ما يخرج بعد الفلق هو شيء مخبوء في طيات شيء مغلق، وفي موضوع الظلمات والنور، الفلق هو تعبير عن حالة الانقشاع التام للظلمات وتحرر الحياة من قيده. وفي ذات السياق يصف القرآن الكريم حركة انبلاج الصباح بالإسفار بعد إدبار الليل وبعد أن يكون قد تحرر من آخر طبقة من طبقات ظلمات الليل:

﴿ كَلاَّ وَالْقَمَرِ ۝ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ۝ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾ المدثر (32) - (34)

استخدم القرآن الكريم لفظة الليل للدلالة على شيئين: الأول هو الفترة الزمانية لليل، والثاني هو تعبير عن ظلمة الليل، و لليل بقايا ظلام بعد انتهاء وقته، ففي فترة الفجر نقول أن الليل قد ولّى، ولكن لازالت ظلمته باقية وتنقشع بالتدريج، عندما يطلع الفجر يبدأ الضياء في الازدياد وبالتدريج تذهب بقايا الظلام حتى يدبر كله، هذه الآية تقول ﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴾ ، يعني إذا أدبرت ظلمته حينها يسفر الصبح عن وجهه، وتبان صفحته الناصعة ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾ ، أحد التعبيرات القرآنية لظهور الصباح هو التنفس، يقول الله عز وجل :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ۝ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ التكوير (17)-(18)

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ أي استطاع أن يأخذ نَفَسَه بعد أن رُفعت عنه الحواجب من طبقات الليل المظلم. إذًا هنا ثلاث مسميات لبدية الصباح وهي الفلق والإسفار والتنفس وكلها تؤكد أن بداية الصباح مختلفة عن بداية الفجر في كونها اعلان عن انتصار الضياء على الظلمات وانقشاعها بالكامل.

بداية الصباح هو نفسه ما اندرج استعماله بين الناس بالبكرة للدلالة على نهار جديد بعد انقضاء الظلمات، فحين ينبلج نور الصباح تبدأ حركة الناس في الانتشار لتبتغي من فضل الله من جديد، وهو تعبير عن بكرة الصباح والتي تعني باكروة الشيء أو أوله وبداية ظهوره، وهو التعبير الذي استخدمه القرآن الكريم لتحديد وقت عذاب قوم لوط:

بكرة الصباح

يقول الله عز وجل في شأن قوم لوط:

﴿ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ﴾ القمر (38)

هذه الآية تحدد الوقت الذي نزل فيه عذاب قوم لوط هو بكرة الصباح أي أوله، لتعطي دلالة واضحة أن البكرة هي الوقت الأول من الصباح، وإذا كان هذا العذاب نزل بكرة الصباح فهذا يعني أن هذا الوقت هو نفسه وقت الإشراق حسب ما بيّنت آيات أخر، الأمر الذي يؤكد انقشاع طبقات الظلام.

الصباح والإشراق

الإشراق هو الوقت الذي ترى العين فيه الحياة بوضوحها بعد أن غطتها ظلمات الليل، فلا ظلمات في وقت الإشراق، لقد وعد الله نبيه لوط بإنزال العذاب على قومه في الإصباح:

﴿ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ﴾ الحجر (66)

ثم بينت الآية (73) التي تليها في نفس السورة أن وقت نزول العذاب كان في الإشراق:

﴿ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ﴾ الحجر (73)

الأمر الذي يمكن من خلاله فهم أن الفلق والإشراق وبكرة الصباح هم ذات الوقت. ويمكن أن نرى من خلال هذه الآيات وبوضوح أن الصباح هو نهاية الظلمات وأن بدايته هي البكرة، وعلامته انفلاق الضياء في السماء، وبيانه إشراقة الأشياء وظهورها على حقيقتها.

ملخص

تحدثنا عن موجز أوقات اليوم أنها موزعة بين الضياء والظلمات، وتناولنا بإيجاز أوقات الضياء في القرآن الكريم، ثم بدأنا بالحديث عن الفجر وبعد الحديث عن الفجر تحدثنا عن الصباح الذي يأتي بعده، تحدثنا عن الفجر والصباح، وقلنا أن علامة الفجر هي الخيط الأبيض الذي يبان عن الخيط الأسود، وعلامة الصباح هي الفلق الذي يعني أن لاظلمة في نواحي السماء، وتبيّن لنا أن طلوع الفجر يعني نهاية الليل، وانبلاج الفلق هو نهاية الظلمات. إلى هنا ينتهي بنا المطاف في حلقة اليوم على أمل أن نكمل الحديث عن أوقات الضياء في الحلقات القادمة إن شاء الله.

رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء والحمد لله رب العالمين.