وجوب قراءة القرآن
| نحن والقرآن# مقدمة
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المزمل آية (20)
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ المزمل (20).
في آية (20) من سورة المزمل ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ﴾ ، ﴿ فَاقْرَءُوا ﴾ ليس من باب الاستحباب ولكن هو من باب الوجوب، ولقد جاء التيسير بسبب وجود العذر وهو المرض والضرب في الأرض من أجل الرزق أو القتال في سبيل الله
﴿ عَلمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْه ﴾ .
هو تيسير في حال تعذر على المؤمن أن يقرأ الكثير وإلا فإن الأصل هو قراءة الكثير من القرآن، وهذه القراءة هي ما تجعل المؤمن ملتصقاً بكلمات الله ذاكراً لأوامره ونواهيه، متدبراً عاملاً بالآيات مجسداً لها مطبقاً لمعانيها.
والآية المباركة لا تعني القراءة السطحية وإنما القراءة الواعية المتدبرة التي تستهدف التذكير الدائم بكلمات الله وإحياء القلب وإنعاشه بها، إذ أنه لا خير في قراءة لا تدبر ولا تفكر فيها، لا يمكن أن نقول عن القرآن أنه كريم لوجوده على الأرفف فقط، فإن كنا نؤمن بكرم القرآن، علينا أن نكثر من قراءته وتأمله وتدبر آياته حتى نحظى بذلك الكرم، وكما تبيّن هذه الآية فإنها تعطي الحد الأدنى للقراءة وهو المتيسر، ولكنها لا تعطي حداً أعلى، إذ لا سقف ولا حد أعلى لذكر الله، فمهما قرأنا من هذا القرآن في اليوم الواحد، فسنظل في خانة المقصر كما تقول الآية ﴿ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ ﴾ فلن يستطيع أحد أن يوفي قدر الله سبحانه وتعالى من صلاة وتسبيح وقراءة للقرآن.
# وجوب قراءة القرآن
وأمة النبي محمد (ص) ليست استثناء من هذا والدليل ما جاءت به سورة الفرقان:
﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ الفرقان (30)
هذه شكوى الرسول محمد (ص) على قومه يوم القيامة، فهل يحب أحدنا أن يشير إليه رسول الله بهذه التهمة في ذلك اليوم، يالها من شكوى!؟ كيف يشكو الرسول إلى الله في ذلك اليوم العصيب؟! هو يشكوا ربه من أن الرسالة التي جاهد في توصيلها لهم خلال سنين من الجهاد ضاعت بين أيديهم، واتخذوا هذا " القرآن " الذي اشتق اسمه من كثرة القراءة، اتخذوه مهجوراً. وقوله تعالى "اتخذوه مهجوراً" أعظم من الهجران نفسه، فهم لم يهجروه وإنما اتخذوه مهجورا، فتأمل في هذا، تقول عن مبنى قديم أنه مهجور حين لا يسكنه أحد ولا يرتاده أحد، ولكن تقول عن مبنى قديم أنه اتخذ مهجوراً كما نقول مثلاً اتخذنا المبنى الفلاني متحفاً ، أو اتخذناه موقعاً أثرياً أو أتخذناه مكاناً سياحياً، وهذا يعني أنه هجر وبعد أن هجر سيّج بسياج حتى لا يقترب من هذا المكان الأثري أحد. وعندما نقول أن القرآن اتخذ مهجوراً فهذا يعني أنه تعدى الهجر إلى مرحلة متقدمة وهي ما مقتضاها محاصرته وتخصيصه لأوقات قليلة تماماً كالأماكن الأثرية التي يخصص لها أوقات محددة للزيارة أو قد تسيج بسياج وتغلق عن العوام، ويكتب عليها لوحة بما معناه " يمنع الاقتراب"، هل هذا واقع؟ الآن اعرض هذه الكلمة على واقعك أخي المؤمن، كيف تجد نفسك مع القرآن؟
لقد وصل إحساسنا تجاه القرآن الكريم إلى مرحلة خطرة جداً، فبدلاً أن نستشعر الخوف والقلق من الابتعاد عنه، فقد أصبحنا نشعر بالخوف والقلق من الاقتراب منه وتدبره والتفكر في آياته، أصبحنا نشعر بالخوف من التفكير في القرآن الذي يحث المؤمنين على التفكر ، أصبحنا نخشى منه، لذا أصبح غريباً مهجوراً يتلى ولكن لا تتجاوز آياته الحناجر!!