مدونة حلمي العلق

القرآن والسجود

 | نحن والقرآن

مقدمة

وجدنا في إحدى الحلقات السابقة ارتباطاً وثيقاً بين قراءة القرآن والصلاة، وبالتحديد في الآية المباركة :

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ الأنعام (92)

ولاحظنا في الآيات أن موضوع اتباع الكتاب السماوي يتداخل مع موضوع الصلاة، والعكس صحيح أيضًا حيث نجد إحلالاً لكلمة الصلاة أو لموضوع الصلاة بالكتاب السماوي في تماهي يستشعره القلب بسهولة، ولا شك أن لهذا الارتباط سر ومعنى في علاقة المؤمن مع الله عز وجل. فالذي يحافظ على صلاته يؤمن بالقرآن، والعكس صحيح حيث أن من يؤمن بالقرآن يُعد محافظًا على صلاته.

وعلى هذا الغرار نتساءل هل هناك رابط أيضاً بين السجود والقرآن؟ وهل هناك علاقة بين سماع القرآن والسجود؟ لأننا كما وجدنا ارتباطاً للصلاة بالقرآن، كذلك وجدنا ارتباطاً للقرآن بالسجود.

وجوب السجود لسماع القرآن

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الانشقاق:

﴿ فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ۝ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ﴾ الانشقاق (20) - (21)

هذه الآية تتساءل بتعجب لماذا لا يؤمن الكفار بهذا القرآن؟ ثم تعطف بتساؤل استنكاري: ولماذا إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون؟ ثم تهددهم بالعذاب الأليم؟ فما هو السر في هذا الأمر؟ الآية لا تستنكر عدم سجود الكفار عند سماع هذه الآية فقط، بل إنها تتعجب لعدم سجودهم عند سماع أي آية من آيات القرآن الكريم، الآية تقول ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ ﴾ وليس إذا تليت عليهم هذه الآية وحسب.

هذه آية محكمة في موضوعها ولا اشتباه فيها، ولكن السؤال التدبري المهم: هل الزام السجود عند سماع آي القرآن مقتصر على الكفار؟ ولو افترضنا وجود فريقين الأول مؤمن والآخر كافر، وتليت عليه آيات القرآن ولم يسجد الفريقان؟ فهل الاستنكار على الكفار فقط؟ أم أنه يشمل المؤمنين أيضًا؟ وهل هذا الأمر متكرر في آيات أخرى؟ نلحظ في آية أخرى قوله تعالى:

﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ۝ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ۝ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ۝ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾ النجم (59)-(62)

هنا آية أخرى تؤكد ما جاءت به سورة الانشقاق، وهذه الآية بصيغة الأمر، فهي تأمر بالسجود لهذا القرآن، الآيات في البداية تستنكر استقبال كلام الله بتعجب ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾، ثم ترفض أن يتعامل معه هؤلاء الكفار بضحك وبرود وعدم خوف، وبدلاً من الضحك تقول الآية أنه يجب عليكم أن تبكوا منه،فلا تقفوا أمامه سامدون وكأنكم خشب مسندة لا تعي ولا تشعر، ثم تأمر بالسجود وعبادة الله، بالسجود خشية من الله، وعبادة الله في الامتثال لما يقوله القرآن.

لأن الحديث حديث الله وجب السجود لله، هذا هو منطق الآيات الكريمة، والسؤال مرة أخرى: هل هذا الأمر مقتصر على الكفار فقط ؟ ما موقع المؤمنين منه؟

إذا كان الأمر مستنكر على الكفار لهذه الدرجة لأنهم لا يفعلوه، من المؤكد أنه واجب على المؤمن، فلا يصح أن يكون مستنكراً على الكافر ولا يستنكر على المؤمن أنه لا يسجد لهذا القرآن، لأن الآيات لها عظمتها أمام الكافر ولها عظمة أكبر أمام المؤمن،والمؤمن يستشعر عظمة قول الله ويسجد له بتلقائية كما بينت آيات أخر، وما دافع الخضوع أمامها لا يزول بتغير الشخص. الأمر غير مقتصر عند السماع فقط، بل يمكننا أن نفهمه من خلال سورة العلق أنه مطلوب حتى عند القراءة .