مدونة حلمي العلق

المسؤولية

 | نحن والقرآن

مقدمة

كل ما يدعونا للإبتعاد عن كتاب الله مصدره الشيطان وإن تزين بالزخرف، وكل ما يدعونا للاقتراب منه مصدره الرحمن وإن بدا عادياً بسيطاً. أحد مساعي الشيطان الرجيم هو تحجيم دور القرآن، فيبث أفكاره التي تقلل من أهمية قراءته والاقتراب منه ، ويوحي بأن دوره مقتصر على التشريع وحسب، ولأن المؤمن غير المتخصص ليس على دراية كافية بأدوات استخراج ذلك التشريع فلا داعي لقراءة القرآن. والحقيقة أن دور القرآن الكريم أكبر من ذلك، فله مشاريع كثيرة ودوره ليس مقتصراً على ذلك، وأهم تلك المشاريع هو إخراج المؤمن من الظلمات إلى النور، وصناعة الإنسان الواعي المبصر المدرك للحقائق، وهذا المشروع يؤديه القرآن مع كل فرد منا بصورة فردية، كل حسب عزيمته واقترابه من هذا الكتاب، لذا لا يمكن ضمان بلوغ غاية هذا المشروع فقط بالانتماء للجماعة.

إذا آمنا أن القرآن يخاطبنا اليوم، فعلينا أن نلحظ أنه يتحدث إلى مؤمن مسؤول عن نفسه، مسؤول عن قراراته، واختياراته، ومسؤول عن حواسه وخصوصاً السمع والبصر، لأنهما فوهة القلب الذي هو مهبط كلمات الله. إنه يخاطب أولئك الذين يدركون مسؤولية السمع، تلك المسؤولية وذلك الإحساس هو ما يقود إلى الرشد الذي يريد أن يصنعه القرآن في الإنسان بدلاً من السفه والاتباع الأعمى.

يحاول الشيطان أن يخلى الإنسان من مسؤوليته، ويبث روح التخاذل والتخلي عن السمع الواعي والتبصر المدرك للحقائق، وإقناعه بأنه ليس مسؤول عن قراراته، كل ذلك من أجل أن يعزله عن نور القرآن، أما القرآن فهو يخاطبنا على أننا لسنا بمنأى عن مسؤولية ما نسمع أو نقرأ من كتاب الله. بالبصر نقرأ هذه الكلمات، بالسمع نستمع آياته، ولدينا أفئدة تعي وتعقل وعلى ذلك سنحاسب، يحدثنا القرآن الكريم عن مسؤولية السمع والأبصار والأفئدة، وأننا مسؤولون عن هذه النعم الهامة فيم أفنيناها. كل واحد منا سيسأل عن هذه النعم فيم أنفقها؟ هل تأمل بها بما يزيده استبصاراً أم أنه اعتقد أن الحياة خلقت من أجل اللعب والاستمتاع بهذه الإمكانيات وحسب؟ وهنا نقف عند مسؤولية هذه الحواس من القرآن الكريم.

مسؤولية السمع والبصر

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته

﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ الإسراء (36)

بهذه الحكمة وهذه الكلمات النورانية يوقظ القرآن ضمير الإنسان من أجل أن يستعيد له وعيه، ويطلق سراحه نحو الحرية حتى يختار بنفسه لأنه سيحاسب فرداً يوم القيامة. الآية تقول أنك آيها المؤمن مسؤول عن هذه الأجهزة التي وهبك الله إياها، فهي التي تقودك لاتخاذ قراراتك المصيرية، " كل أولئك كان عنه مسؤولاً " أنت مسؤول، فإذا سمعت وأبصرت ووعيت بقلبك فلا تقف ما ليس لك به علم، لا تسيرن خلف ما لم يصلك علمه لأنك تملك الحواس، ومسؤول عما تعلم من كتاب الله فلا تسيرن خلف مالا تعلم.

هذا هو خطاب القرآن الكريم، إنه يخاطب مؤمنين يحملون مستوىً من الإدراك والوعي، يتحملون مسؤولية هذه الأذن و هذا البصر، فإذا سمعت أو قرأت من كتاب الله ووعيت وعلمت فلا تتصور أنك لست محاسباً على ماسمعته وما أبصرته وما علمته، وأن مسؤوليتنا انتهت فقط بقراءة هذا القرآن، المؤمن بعد السمع ليس هو قبله، لأننا محاسبون على قدر ما سمعنا ووعينا. إنه من الواجب أن نقرأ القرآن، ويجب أن لا نعرض عنه، وإذا قرأناه من الواجب أن نستجيب وأن نتغير، فعلى المؤمن الذي علم من هذا الكتاب شيئاً أن لا يتولى عنه تولي من لم يسمع.

هكذا يجب أن نقترب من القرآن، ولآيات الله علاقة كبيرة بالسمع، إنه يخاطبنا نحن من أجل توظيف هذه النعم التي أنعم بها علينا فيقودنا إلى الرشد والفلاح، تعالوا لنرى علاقة القرآن بالسمع :

السمع والقرآن

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة لقمان:

﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ۝ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ لقمان (6)-(7)

الله سبحانه وتعالى يتوعد أولئك الذين يولون عن الآيات وكأنها لا تعنيهم، يسمع ثم يتولى وكأنه لم يسمع وكأن جهاز السمع معطوب عنده أو أن أذنه مغطاة بوقر يمنعه من السمع، وهذا يعني أن القرآن أبلغ حجته على من سمع، وأن على هذا السمع وهذا الإدراك حساب وعقاب يوم القيامة، وأن التعامل بتهاون مع ما نسمع من القرآن يوقع السامع في موضع المساءلة ويجعله في موقع خطر مع الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

من مثل هذه الآيات يتضح علاقة السمع بالقرآن، فالآية تحرك فينا الوعي والإدراك، وتطالبنا باليقظة وتحمل المسؤولية. ومن مثل هذه الآيات يتضح أحد أهداف القرآن الكريم، هو أن يكون الإنسان مستقيظاً راشداً مسؤولاً ، في الجهة الأخرى فإن دعوى الشيطان هي أن يعزل النور عن الأبصار، وأن يحول الإنسان إلى سفيه تابع يلقي بمسؤولية نفسه على غيره، لا يعي ما يسمع، يبيت طويلاً في نوم الغفلة والأمنيات فلا يستيقظ يوم القيامة إلا وهو في مساءلة في سمعه وبصره وقلبه فيم أنفقهم، وفي الآيات لماذا لم يسمعها ولم يبصرها.