مدونة حلمي العلق

الذكر

 | نحن والقرآن

مقدمة

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ الحجر (9) ، الذكر هو عكس النسيان، وتذكر القرآن يعني عدم نسيان وصايا الله وعهوده إلينا، فبيننا وبين الله عهود ومواثيق ووعود، كتبت في هذا الكتاب العزيز ، ومطلوب من المؤمن أن يظل ذاكراً لها غير ناس.

متلازمة الذكر هي كثرة القراءة وليس القراءة القليلة، وكثرة المراجعة لأن النسيان مشكلة أصيلة في الإنسان، الدنيا تنسي الآخرة والأمنيات تنسي الحقائق، والغرور ينسي القسط الرباني، وهكذا كل مافي الإنسان من صفات الطين في عالم الشهادة تنسيه حقائق الروح في عالم الغيب.

﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ﴾ الكهف (101)، أعطى الله سبحانه وتعالى إسم الذكر للقرآن الكريم، حتى نعي مكانة القرآن فيبقى مذكراً ، فهو سبحانه يريد من المؤمن أن يكون ذاكراً على الدوام، وسميت الصلاة بالذكر لأنها موضع من مواضع التذكير ، بأفعالها وتسبيحها وبتلاوة القرآن الكريم، فإذا صحح الإنسان مساره بناءًا على هذا القرآن والحكم الرباني فقد أحدثت له الصلاة والقرآن ذكراً، والتذكر هو التراجع عن الخطأ والعودة إلى طريق الجادة كما يريده الله، وإذا لم يغيّر إلى مايريده الله فهذا يعني أنه لم يتذكر، ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ﴾ الصافات(13)

الذكر في سورة طه

في نهاية سورة طه وبالتحديد من الآية (99) حديث عن القرآن تحت عنوان الذكر

﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً ۝ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً ۝ خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً ﴾ طه (99)-(101)

ما أنزله الله سبحانه وتعالى على الرسول هو ذكر، والإعراض عن هذا الذكر يحمل الإنسان أوزاراً يوم القيامة، وسيعاقب على هذا الإعراض.

﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ﴾ طه (113)

القرآن عربي ولعله يحدث للعرب الناطقين به ذكرا، أي أن يغيروا عقائدهم ويتوجهوا نحو ما يريده الله منهم .

﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ طه (115)

العهد الذي بين آدم وبين الله هو أن لا يقرب هذه الشجرة وأن الشيطان عدو له ولزوجه، وحتى لا ينسى الإنسان عهوده مع الله، بل عليه أن يلازم العهد، وبهذا يتحول العهد إلى ذكر يكثر من قراءته ومراجعته حتى لا ينسى عهوده مع الله، وهذا يحتاج إلى عزم، أما بالتراخي فإن الإنسان معرض للنسيان ، وعندها فقط يكون عرضة للشيطان.

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ۝ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۝ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ طه (123)-(126)

هذا القرآن هو الهدى هو النور الذي يضيء الدروب لأنه ذكر يذّكر المؤمن بصورة دائمة مستمرة، وهذا الهدى هو نفسه الذكر كما تبين الآية اللاحقة وتكرر مشكلة الإعراض عن القرآن عن الذكر نفس عقوبة من يعرض عن هذا الكتاب، ﴿ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ ، هنا تبرز مشكلتنا مع هذا الكتاب وهي أننا ننساه، والقرآن هو أهم مصدر من مصادر التذكير أهم مصدر لغذاء النفس وتذكرها بالمهام الربانية. وهكذا فإن الآية تبرز أهمية الاستفادة من نعمة البصر وتفعيلها في التقرب من هذا الكتاب العزيز.

الصلاة والذكر

الآيات السالفة كلها مترابطة ولكننا أخذنا مقاطع منها فقط فيما يخدم سياق الحديث عن الذكر، ونختم هنا ما بدأنا به الحديث أن للصلاة علاقة بالذكر، ومع ورود الحديث عن الذكر في هذه السورة وخصوصاً في الجزء الأخير منها نجد ذكراً للصلاة في الآيات الأخيرة للسورة تقول الآية آية (132)

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) ﴾

وفي هذا دلالة أخرى لعلاقة الصلاة بالذكر، وأن الصلاة هي موضع من مواضع الحفاظ على هذا الذكر الذي أنزله الله سبحانه وتعالى إلى بني البشر.

هذه حقائق رباينة ويبقى أن نعي مدى انطباق جزء أو شيء أو كل من هذه الحقائق على حياتنا فقد نكون قد وقعنا في شيء منها، فالآية المباركة تقول ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ﴾، أن نفهم الإعراض لغوياً فهذا لا يكفي، لابد من الشعور، الشعور بمدى انطباق حالة الإعراض علينا أو عدم انطباقها، وهذا يحتاج إلى شعور وتقوى وليس إلى علم ودقة وحسب، والشعور ليس قانون؟ وهو معيار وبمقدار ما يتحرك هذا المعيار ويكون الإنسان المؤمن قريب من الله بقدر ما يشعر أكثر ويخاف أن يكون مُعرضاً بعيداً عن كتاب الله. أما عندما يكون الإنسان غافلاً فإنه لن يكترث لخطورة هذه الكلمة وسيرى نفسه يوجه الاتهام للأقوام السابقة ليبرئ ساحته.

القرآن الكريم يريد منا أن نتعامل معه بشكل مباشر، وهو الضامن لنا الهدى والحياة الكريمة ولكن هذا الضمان يحتاج إلى إيمان ولا تكفي القناعة أو الاعتراف، ﴿ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾ لا يضل في الدنيا ولا يشقى؟ إذا كانت هذه هذ الضمانة الربانية فلماذا يُخشى على الذي يتعامل مع الله من خلال هذا الكتاب المنزل؟ وبشكل مباشر؟ بإنه يضل؟ كيف يضل والله أعطاه الضمان في كتابه؟ حين قال له: اتبع هذا النظام وهذا الذكر ولا تنساه لتكون في مأمن يوم القيامة.