مدونة حلمي العلق

الامتناع عن السمع

 | نحن والقرآن

مقدمة

القرآن الكريم هو أحد أهم مسؤوليات المؤمن، المؤمن أي مؤمن بغض النظر عن علمه ومستواه العلمي لأنه كلام الله، ولأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بقراءة القرآن، والتأمل فيه والتدبر في آياته، وهو سبحانه أعلم ما لهذه الكلمات من تأثير على نفسه وقلبه، وكيف يمكن لهذه الكلمات أن تحيي قلبه وأن تنقله من الظلمات إلى النور، وما على المؤمن سوى أن يتنجز أمر الله آملاً وعده.

قد نكون قد علمنا عن السماع المحرم، وهو أن نستمع لما حرم الله سماعه، لكننا اليوم نتحدث عن حرمة عدم السماع؟ قبل ذاك تعالوا نتعرف على أهم نعمة أنعم الله بها على الإنسان ولها علاقة وطيدة بالذكر وكلام الله.

الامتناع عن السمع

نعمة السمع والأبصار والأفئدة

القلب هو وعاء الحقيقة، وفوهة هذا القلب هو السمع الواعي ، والبصر المدرك للحقائق والمتأمل فيها، هما أهم حاستين منّ الله بهما على الإنسان : السمع والبصر، لذا تراه في آيات كثيرة يقول: أفلا تسمعون أفلا تبصرون، وما لم تقوده هذه الحواس لإدراك حقائق القرآن الكريم فلا نفع ولا فائدة منهما ترتجى غير الاستمتاع بالحياة الدنيا، عندما يقول الله سبحانه وتعالى أنك مسؤول عن سمعك وبصرك وقلبك، فلأن كل واحد منا سيسأل عن هذه الجوارح فيم أنفق قوتها؟ هل تأمل بها بما يزيده استبصاراً أم أنه اعتقد أن الحياة خلقت من أجل اللعب والاستمتاع بهذه الإمكانيات وحسب؟

﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ﴾ الملك (23)

شكر النعم

شكر النعمة بالعمل ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ ﴾ سبأ (13) ، فما هو العمل الذي يمكننا من شكر نعمة السمع والبصر الفؤاد؟ هو السمع الواعي والبصر المدرك، وعلينا أن نعي مانسمع من كتاب الله، وأن نتحقق بأنفسنا من الحقائق الربانية من خلال تحملنا للمسؤولية، لأننا سنسأل عن هذه النعمة فيما أفنيناها، السمع من أهم الجوارح التي تغير حياة الإنسان إن هو فعّلها واستخدمها بشكل صحيح، البصر كذلك. وعلينا أن نحمد الله سبحانه وتعالى أننا قادرون على سماع القرآن الكريم، وأن نحمده أننا نستطيع أن نقرأ هذه الكلمات النورانية التي تحيي القلوب، وأن كتاب الله بين أيدينا نأخذه وقتما شئنا لنقرأ فيه، هذه هي أهم أعمال شكر نعمة السمع والأبصار ، وحق السمع الاستجابة للحق، وحق البصر الخشوع والتعلق بكلام الله، هكذا نشكر الله على هذه النعم، بالعمل وليس بالقول فقط.

حرمة الامتناع عن السمع

والآن نتحدث عن ذلك الذنب الذي يلحق بصاحبه لأنه امتنع عن السمع، إنه أذنب لأنه امتنع عن سماع كلام الله، هو الذنب الذي شكى منه الأنبياء والرسل أثناء تبليغهم لرسالات الله، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة نوح عن شكوى نوح في صد قومه عن سماع الحق :

﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً ﴾ نوح (7)

هنا يكون إغلاق الآذان ذنب لأنه عن كلام الله، وهو فعل يعاقب صاحبه، لأنه لا يريد أن يسمع ما أرسله الله لهذه البشرية، لماذا؟ لأنه لايريد أن يتحمل مسؤولية نفسه، يريد أن يتهرب من مواجهة الحقائق، يكره التغيير، يحب الإستقرار على ماهو عليه حتى وإن كان سيؤدي به ذلك إلى الهلاك يوم القيامة. وهنا يكون الامتناع عن السماع محرم مرفوض، وهناك ذنب آخر يمكننا أن نسميه ذنب التهرب والتولي عن آيات القرآن الكريم.

حرمة التولي من القرآن

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود :

﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ۝ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ۝ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ۝ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ هود (1)-(5)

تأمل في الآية الخامسة، إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه، يستخفون من ماذا؟ إنهم يستخفون من القرآن، وماذاك إلا لأنهم لا يريدون مواجهته، ولايريدون أن يكونوا طيعين تحت أمره؟ يريدون أن ينفلتوا بعيداً عن كلام الله. ولنا أن نفهم قوله تعالى "أن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه" في العودة للكتاب المفصّل وعدم الحياد عنه، وعدم التهرب منه، إذاً هذا التهرب الذي تذكره الآيات الشريفة هو هروب من الكتاب المنزل، وإذا تأملنا هذه الآيات وغيرها الكثير فإننا لاشك سنصل إلى قناعة خلاف ما يمكن أن نتصوره، هو أننا لسنا محاسبين ولا مطالبين بالاستماع الواعي والنظر المدرك لآيات هذا الكتاب الكريم، وهذا مفهوم خاطئ علينا أن نصححه من خلال الالتزام بقواعد القرآن الكريم.