قراءة في فتنة صفين من منظور قرآني
| القتال# مقدمة
يقول الله عز وجل
﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ الزمر (18)
عندما نقترب من القرآن الكريم نجد أنه يؤكد على حسن الاستماع وحسن الإصغاء من أجل معرفة الحقيقة، فكثيراً ما يمتدح أولئك الذين يسعون جاهدين من أجل نجاة أنفسهم ومن أجل أن يصلوا إلى الهدى من خلال البحث عن المعلومة الصحيحة وعن العلم النافع وعن الحقيقة لا الوهم. ونحن هنا نحاول أن نقترب من حقائق القرآن ومفاهيم القرآن ،نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أولئك الذين امتدحهم القرآن بحسن الاستماع وحسن الإصغاء وحسن التمحيص للمعلومة على أساس معرفي وليس على أساس الرفض المباشر بدون سبب.
# قراءة في فتنة صفين من منظور قرآني
# ما الذي نقصده بالمفهوم القرآني ؟
المفهوم هو نتاج فهم ، والفهم للشيء لايكون إلا بالتروي والتعرف على جميع جوانبه ، في القرآن الكريم يمكننا أن نصل إلى فهم عدة آيات تناولت قضية واحدة على أساس موضوعي، واستخلاص نتيجة يمكن الاستفادة منها في فهم القرآن و التاريخ والحديث. فليس مسارنا هو مسار أخذ آية محددة من القرآن الكريم ومن ثم التعرف على جوانبها العديدة ، أي التعرف على الجانب اللغوي وما فيه من صنوف البلاعة ، أو الجانب العلمي من الناحية الفيزيائية أو الكيميائية ، أو من الناحية الفقية أو ,, إلى آخره ، ولكننا نتناول موضوع موجود في عدة آيات والتعرف على حقيقته بشكل يمكن لأي إنسان غير متخصص أن يستوعبه ويدركه ، فقط بدراسة الكتاب.
عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو ( قراءة في فتنة صفين من منظور قرآني)، تتضمن هذه الحلقة مفاهيم منها معنى الشهداء في الدين، ومعنى التفريق بين الله ورسله، في يوم صفين رفع جيش معاوية المصاحف في قبال جيش الإمام علي(ع) من أجل إيقاف الحرب وتحكيم القرآن.
# لماذا اخترنا معركة صفين؟
لأن في هذه المعركة انعكاس حقيقي لبعض المفاهيم القرآنية ، بمعنى يمكننا أن نعتمدها كمصداق لتلك المفاهيم التي استنتجناها من القرآن. وعلى هذا يمكننا أن نؤسس لمفهوم (ليس جديد ولكنه غائب) هو أن القرآن هو الموجه والحكم. الموجه : أي أنه يوجهنا بأي اتجاه نفهم ونسأل ونتقصى ؟ والحكم : في كونه هو الذي يحكم على القضية .
لذا قبل الولوج في خضم هذا البحث، علينا أن نضع قاعدة مهمة وهي أن نتملك المرونة في تقبل الحقائق لا على أساس ما ألفناه ، ولكن على أساس ظهور الحقيقة جلية أمامنا. سيتمحور حديثنا في مفهومين : الأول : معنى الشهداء في القرآن الكريم ، الثاني : عزل الرسول عن الرسالة، وبعد ذلك نطبق ذلك على مشهد رفع المصاحب المشهور في يوم صفين .
# الشهداء في القرآن الكريم
هل هم الذين قتلوا في سبيل الله ؟ أم أن القرآن الكريم استخدم هذه اللفظة للدلالة على شيء آخر؟ وما علاقة الشهداء بالرسول؟ وما علاقتهم بالرسالة ؟ وهل الرسول شهيد أيضاً ؟ وهل الشهداء أحياء في الدنيا؟ ما معنى كلمة شهيد؟ وما ارتباط الكلمة بأي حدث ؟ وما أهمية حدث الرسالة ونزول الكتاب؟ هل لهذا الحدث شهداء ؟ وهل هناك فرق بين الشاهد والشهيد؟ هل الفارق هو فارق الانتخاب ؟ أي أن الشهيد منتخب ؟ وما الهدف من انتخابهم ؟ هل كان للإسلام شهداء منتخبون مع النبي محمد ؟
# التفريق بين الله ورسله
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ النساء (150)-(152)
التفريق بين الله ورسله يعني عزل الكتاب السماوي عن القيم الحقيقية التي نزل بها، واستخدام شخص النبي كأيقونة يمكن تمرير قيم مغايرة عن الإسلام بواسطتها. وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بـ «التفريق بين الله ورسله» : بمعنى أنه لا يمكن للرسول أن يخالف القيم والتعاليم التي نزل بها الكتاب، لا يمكن أن يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه شيء ، ويقول النبي شيء آخر ، لا يمكن أن يحمل الرسول روحية وفلسفة مغايرة لروحية وفهم الكتاب. ولقد أعطى القرآن الكريم التحذير من ذلك التفريق فقال :
﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ آل عمران (79)
كونوا عباداً لي من دون الله : هي إشارة إلى طاعة مخالفة لطاعة الله في أوامره، وهذه الآية في سورة آل عمران، في خضم الحوار مع أهل الكتاب حول حقيقة نبي الله عيسى، والآية تقول : لا يمكن أن يصدر من أحد من الأنبياء وقد تعلم الكتاب أن يأمر بأمر يخالف الكتاب السماوي ؟ لا يمكن . بل إن الأنبياء يأمرون الناس بأن يكونوا ربانيين ، أي يأمرون الناس أن يتعلموا الكتاب ويعلموه للناس . لأن الكتاب يحمل الحقيقة .
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ (116)-(117)
في نفس السياق تتحدث آية (116) و (117) من سورة المائدة، فالآية تتحدث عن مساءلة تقام لنبي الله عيسى (ع) في يوم القيامة، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، فتكون الإجابة : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به . وهنا يتجسد التفريق بين الله ورسوله، فنبي الله عيسى أمر الناس بما أمره الله به أن اعبدوا الله ربي وربكم ، ولكن الأهواء ارادت أن يكون عيسى في مكانة المعبود والإله، فتم إصدار أوامر نسبت إلى نبي الله عيسى زوراً لشرعنة تلك الأهواء وتلك الضلالات.
إذاً : التفريق بين الله ورسله هو تفريق بين قولين ، بين ما قاله الله وبين ما قاله الرسول بسبب الهوى، ومنه نفهم أن الرسول يتحدث بالقرآن ويضع الحق في موضعه
# معركة صفين
في معركة صفين ، أمام حادثة رفع المصاحف نحن أمام فريقين ، متخالفين ، من من هذين الفريقين حملة ا لكتاب، ومن منهم الذين سموا بالشهداء وامتحنهم الله ومحصهم مع النبي محمد ؟
البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل في فضل من شهد بدرا من المسلمين
https://ar.wikisource.org/wiki/البداية_والنهاية/الجزء_الثالث/فصل_في_فضل_من_شهد_بدرا_من_المسلمين
إسلام ويب
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=59&ID=304
تذكر آية 143 من سورة البقرة أن الهدف من فتنة تبديل القبلة هو تمييز من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، تقول الآية في بدايتها
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ القرآن (143)
إذا هؤلاء المخاطبون والذين تجاوزوا هذه الفتنة أسماهم القرآن الكريم بالشهداء، والذين من المفترض أن يكونوا واسطة بين الرسول وبين الناس في توصيل رسالة الكتاب السماوي.
أما آية 29 من سورة السجدة فتبين أن الذين آمنوا يوم الفتح لا ينفعهم إيمانهم ولا هم ينظرون، فكيف نقارن بين من محصته الفتن من أجل حمل الرسالة الربانية، وبين من آمن يوم الفتح وقد عبّر عنه القرآن بأن إيمانه لا ينفعه !
﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ ﴾ السجدة (29)-(30)