الفتنة ومحو الأمية في الكتاب
| القتالتتناول الحلقة مفهوم الأمية في الكتاب من القرآن الكريم، وتستعرض بإيجاز الفتنة المتعلقة بالمشركين، وتشير إلى ضرورة المعرفة وسلامة القلب من أجل الخلاص من الوقوع في الفتن.
# مقدمة
يقول الله عز وجل
﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ البقرة (78)-(79)
لو كان للمجتمع معرفة بالكتاب لا ستطاع أن يميز بين الحق والباطل ، فإسلام بلا معرفة يتمكن منه من يريد أن يحرفه عن مضامينه . لأن الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق ، لذا وجب الوعي من قبل المؤمن نفسه ، والقدرة على التمييز من قبل المؤمن نفسه والوعي لا يستورد ولا يشترى .
المشكلة تقع تحين يتم التمسك بالكتاب كشعار ولا يتم التمسك به كمضمون . وبين الشكل والمضمون مسافة يتغير فيها وجدان الإنسان .تتحول فيها هدف المؤمن من مجاهد ضد نفسه ، ومسؤول عن الدين ، إلى مجاهد ضد غيره المخالف له .
# الفتنة ومحو الأمية
# الفتنة
يقول الله عز وجل:
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ الأنفال (39)
محاولة رفع المصاحف ، الفتنة كانت تعتمد على إشغال العقل بالصورة ، ولا يتم ذلك إلا حين يكون المضمون هشاً ضعيفاً يمكن زعزعته بسهولة. وكانت الآية تحذر المؤمنين من قتال هذه الفئة حتى لا تكون فتنة (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) ورفع المصاحف كانت فتنة كبيرة ، إذا وقع ما حذر الله منه المؤمنين، أن تقع الفتنة بين المؤمنين أنفسهم.
فهل لهذه الفتنة بقاء لهذا اليوم ؟ وهل لها تأثير على الإسلام حتى يومنا هذا؟ وإلا لماذا يحذرنا الله منها ، ولماذا يؤكد على ضرورة القتال من أجل أن لا تقع هذه الفتنة ، وهل علينا اليوم أن نتدارك هذا الأمر من خلال فهم القرآن الكريم ؟ وكيف السبيل ؟ وهل علينا أن نحارب هذه الفتنة بمحو الأمية في الكتاب، ورفع حاكمية القرآن الكريم ؟ وكيف نرفع تلك الأمية ؟ بالمعرفة والوعي بالكتاب ، وبسلامة القلب .
# المعرفة
﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ الفتح (24)-(25)
تقول الآية من سورة الفتح ( هو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم )
ينقل التاريخ أن الرسول قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، والمشكلة حدثت مع هؤلاء الطلقاء ، فبعد هذا العفو ، عاودوا الإعتداء بالخفية ( نجس ) . لماذا يصف القرآن تلك الأحداث بكل دقة؟ هل لأن لهذه الفئة تأثير على الدين ؟ وهل تستمر الحرب ؟ وهل لهذه الحرب شكل واحد فقط ؟ أم أن هناك عدة أشكال ؟
﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ التوبة (8)
لقد حذر القرآن من هذه الفئة من أن وجودها سوف ينهي الإسلام بالقضاء على المؤمنين، وإحداث الفتنة بينهم ، وهذا فعلاً ما حصل ، تقول الآية الشريفة ( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) ، بمعنى أن المسألة بالنسبة لهم أصبحت مسألة حياة أو موت ، إما أن يموت هو وتبقى أنت أو أن تموت أنت ويبقى هو ، فهو لن يدع فرصة إلا ويستثمرها ( ولو كره المشركون ) .
من هنا يمكننا أن نفهم التاريخ : أن ما جرى من فتن بين المؤمنين هو صنيعة تلك الجهة ، فالمفتن هو القاتل وهو المطالب بدم المقتول من أجل أن يقتل البقية. ويريد أن يبقي الإتهام قائماً على مر العصور، فمن جهة هو يثير الناس للقيام ضد الخليفة ، فإذا قاموا ، قتله غيلة ، ثم طالب بدمه من أجل استكمال المشروع، ويتضح ذلك حين تمكن من السلطة فقد أنهى الساحة من كل المؤمنين الخلص للرسالة .
وحين تمكن ولكي يكمل مشروعه ( عزل الرسول عن الرسالة ) ، من أجل أن يستفيد من العاطفة و الإرتباط الحقيقي للمؤمنين بالرسول في توجيههم كيف يشاء.
إذا علمنا أن المشكلة تقع حين يتم التمسك بالكتاب كشعار فقط ، ولا يتم التمسك بمضامينة ، إي حين يتم تجويف الكتاب من محتواه ، أو استغلال الأمية في الكتاب ، فهذا يعلمنا أن نكون على وعي تام بالكتاب لأن في ذلك أمان من الوقوع في مثل هذه الفتن، بالمعرفة ، وبالإيمان.
﴿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة(28)
المشركون نجس: لا تعني النجاسة المادية ولكن النجاسة المعنوية ، والتي تعني أنهم دخلاء وليسوا مؤمنين حقيقيين ،
لقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين إخراج المشركين عن المسجد الحرام ، تماماً كما أخرجوا هم المؤمنين ، ولأنهم نقضوا العهد مع المؤمنين في عدم الإعتداء وعدم المظاهرة ضدهم ، ولكنهم لم يتوبوا من ذلك ، وظاهروا ضد المؤمنين ، فوجودهم يظل خطراً على المؤمنين ، والخطر في أن يقوموا بعمليات اغتيال سرية وليس حرباً واضحة بالمواجهة ، وإنما بالتصفيات السرية ، وهذه التصفيات هدفها فقط قتل كل الذين يؤمنون ويحملون رسالة النبي محمد ، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى يأمر بالحفاظ على الدين ومواجهة هذا الإعتداء بالحزم وليس بالتهاون ويؤكد على ضرورة المواجهة والقتال. بمعنى إذا هزمتموهم فإن ذلك بقاء للدين ، وإذا هزموكم : فهذا معناه أن يقوموا بتغيير الدين على أهوائهم ولا يكون بعدها الدين لله.
# سلامة القلب
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ البقرة (10)-(16)
إذا كانت المعرفة وعدم الأمية في الكتاب هي أساس في اجتناب مثل هذه الفتن ، يبقى ركيزة أساسية وهي سلامة القلب والتي يشير لها القرآن الكريم في بداية سورة البقرة على أنها أساس في فهم القلب ، لقد اشترط القرآن الكريم الإيمان بالآخرة إيماناً حقيقياً أساس في فهم القرآن والمعرفة ، وذكر مشكلة كبيرة يقع فيها المؤمن وهي مرض القلب ، وعكسه هو سلامة القلب، وسلامة القلب تعني الإيمان الحقيقي بالله واليوم الآخر والإيمان بالكتاب السماوي حق الإيمان ، ومن ثم أخذ حقائقه دون زيغ وانحراف.
لقد ذكر القرآن الكريم في البداية متطلبات هدى القرآن والتي اختصرها في كلمة المتقين، ومن ثم ذكر الفئة التي تكفر بالكتاب ، والثالثة التي تؤمن ولكن إيمان غير حقيقي . ولعلنا نتوسع في هذه المشكلة في حلقات أخرى ، ولكن يهمنا هنا أن نقول أن هذا أساس مهم لإدراك حقائق القرآن دون انحراف عنها .
الآيات من آية 10 إلى آية 16 ، ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ... ) إلى أن تقول ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين). الذين يبيعون يتنازلون عن هذا الهدى من أجل مصالح دنيوية رخيصة، إن الوقوع في مرض القلب هو الذي يجعل من حقائق القرآن هشة وغير فاعلة في حياة المؤمن، ويمكن أن ينزلق في الفتن بكل سهولة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنا ، فما كان من خطأ في الحلقات الأربع التي تحدثنا فيها عن رؤية لفتنة رفع المصاحف من منظور قرآني ، فهو من نفسي ، وما كان من خير فهو بفضل وهدى من عند الله وحده ، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علنا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا وغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.