مدونة حلمي العلق

حكم القرآن في قتال المشركين

 | القتال

مقدمة

﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ۝ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ ﴾ (37)-(38)

تقول الآية الكريمة : هل لكم كتاب سماوي أنزله الله سبحانه وتعالى إليكم ، درستموه وفهمتم منه ما تقومون بفعله أو ما تعتقدون به، وهي إشارة ضمنية على أن ما يؤخذ به هو ما يصدر عن الكتاب، وأن ما يصدر عن الكتاب يحتاج إلى دراسة وتفهم .

استكمالاً للحديث في الحلقة السابقة، فقد كان السؤال : هل في القرآن الكريم ما ينص على القتل في زمن الرسالة ؟

وهل هناك ما يشير إلى أن البعض منصوص بالإسم على أن يقتل ؟ وقبل أخذ الإجابة مباشرة ندرس الموضوع من خلال العناوين التالية.

1- ما الذي يحدث بعد وفاة الرسول ؟

2- ما هو المقصود بالفتنة في موضوع القتال ؟

3- حقيقة المشركين

4- حكم الإمام علي على معاوية.

حكم القرآن في قتال المشركين

أولًا :

تنص الآية 253 بوقوع تقاتل بعد وفاة الرسل حيث تقول الآية

﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ البقرة (253)

وبعد وفاة الرسول يحصل القتال ،والآية توضح : أن القتال يحدث بين طائفتين الأولى مؤمنة والأخرى كافرة . والسؤال هنا هو : هل حدث هذا فعلاً بعد وفاة الرسول ؟ وهل الآية تشير إلى ما سيقع فعلاً بعد وفاة الرسول من أن هناك اقتتال وفتن ستحدث على أساس إيمان وكفر ؟ وعلى كل حال فإن الآية تنص على أن ما يحصل هو :

1- الاقتتال بعد الرسول

2- فئة مؤمنة وفئة كافرة .

الآيات من 191 إلى 192 من سورة البقرة تقول :

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ۝ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ البقرة (191)-(192)

1- اقتلوهم من أجل لا تحدث الفتنة ، ونحن نعلم أن القتل كبيرة ، وشيء عظيم جداً ، فما هو الشيء الذي هو أكبر من القتل ؟ هو القتل على أساس الفتنة أي على أساس ديني وعقائدي ، لأن هذا القتل يستمر مع السنين ويحصد الكثير من الأرواح.

2- نحن نعلم أن القرآن الكريم ينص على أن ( النفس بالنفس ) أساس في القتل ، فكيف تؤخذ نفس لأنها كفرت ، في الحقيقة أن أمر القتال جاء لأن هؤلاء المشركين قتلوا من المؤمنين ، واستمروا في قتالهم ، بل وحرضوا على قتل المؤمنين بشتى الوسائل كما سيتضح ذلك في آيات متقدمة إن شاء الله، فالأمر الأول أن المؤمنين يمتلكون الحق في القصاص ، وثانياً : أن قتلهم أصبح ضرورة بلا عفو لأنهم واصلوا في قتالهم على أساس الفتنة في الدين. وهذا ما تنص عليه الآية ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) وفي لفظ آخر في سورة الأنفال (ويكون الدين كله لله).أي أنهم سيتعمدون العبث في الدين ، وسيكون شيء من الدين ليس لله وإنما لأهوائهم.

1- من يقاتهلم المؤمنون يعملون على مبدأ الفتنة.

2- التضليل واستعمال الدين لمآرب خاصة.

الأمر بقتال هذه الفئة من أجل أن لا يكون هناك فتنة.

في هذه الآية شكل من أشكال الفتنة التي اتخذت شكلاً دينياً إذ أن المنافقين الذين يترصدون لقتل الرسول والمؤمنين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين اتخاذ المسجد كموقع لتجمع الذين يحاربون الله ورسوله. لذا يتضح أن الموقع موقع ديني ولكن الهدف هو التفريق بين المؤمنين لإضعافهم ومحاربة الله والرسول .

ثانيًا:

في سورة التوبة

﴿ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ۝ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ۝ وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ التوبة (1)-(4)

نفهم من المقطع الأول أن النبي عاهد المشركين ، ( براءة من الله ) أي أن الله سبحانه وتعالى بريئ من فعل وقول هؤلاء المشركين ؟ وفي هذا إشارة إلى أن قول وفعل المشركين معتبر عند الناس ، كيف لا وهم سدنة البيت الحرام الذي يحج له الناس منذ القدم قدم نبي الله إبراهيم ، فهم مؤتمنون عليه. وأذان : إي إعلان يجب أن يصل إلى كل من يصل إلى البيت الحرام في التجمع الكبير بأن تصله هذه الرسالة ، بأن الله سبحانه وتعالى يتبرأ من المشركين ، الآية التالية تبين ما الذي فعله هؤلاء المشركون ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ) إذاً هناك طائفة من المشركين عاهدت النبي ونقضت العهد ، وهناك طائفة لم تنقض العهد ، والنقيض والنقصان في المظاهرة ضد المؤمنين، والمظاهرة أن يتخذ هؤلاء لهم ظهير أي مساند ضد المؤمنين ، وهذه المساندة تعني أن المشركين كانوا يريدون القضاء على النبي والذين معه.

وقد بينت الآيتين السابقتين آية 191 من سورة البقرة ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) : أي أن المسلمين أخرجوا من ديارهم بسبب إيمانهم بدعوة النبي ، وهذا اعتداء على حرية الإنسان. ونريد أن نعود هنا للآية 193 من سورة البقرة والتي تقول ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) ، فما معنى أن يكون الدين لله ؟ معنى ذلك أن يستغل المشركون الدين لصالحهم فيكون الدين لهم وليس لله ، أي يكون الأمر أمرهم باسم الدين وباسم الله ولكنه ليس لله حقيقة ، وهذا هو المعنى الحقيقي لاستغلال الدين للمصالح الشخصية ، وأن يستغل الإنسان المسؤولية التي أوكلت إليه ، فيقوم بإصدار أوامر في الدين لم يأمر بها الله سبحانه وتعالى ، كأن يأمر بقتل أحد مثلاً .

وهذا ما نجد ملامحه تتجسد فعلاً في بعض آيات سورة التوبة وبالتحديد في آية 107 ، والتي تقول

﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ التوبة (107)

إذاً هذه فئة تتستر بالدين من أجل التهيؤ لقتال الرسول والذين آمنوا، ومن هنا نجد أن سورة التوبة سميت بالفاضحة والكاشفة لأنها كشفت كثير من أوضاع النفاق والترصد لقتال المؤمنين ، لم يكن المؤمنون على دراية عنها. حقيقتهم تتكشف في النقاط التالية :

1- كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبون فيكم إلا ولا ذمة

2- يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم

3- اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله

4- لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة

5- هم المعتدون

6- نكثوا أيمانهم ، هموا بإرخراج الرسول ، بدءوكم أول مرة .

شعار لا حكم إلا لله

الهدف من هذا الشعار البراق هو سحب الحكم بالكتاب من عند الإمام علي (ع) وأصحابه الخلص، وأخذه إلى جهة أخرى تحكم بالأهواء وتسيطر على الموقف باسم الدين وباسم القرآن ، فينخدع من لا علم له بالدين ولا بالقرآن. لأن الإمام علي حينما كان يحارب إنما كان يطبق القرآن وليس يطبق الأهواء. تقول الآية الكريمة

﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ النساء(83)

ما هو حكم الإمام علي على معاوية ؟ ومن أين جاء بهذا الحكم ؟ حكم الإمام علي على معاوية بالقتل ، وحكمه هذا صادر من القرآن الكريم . تقول الآية الكريمة

﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ التوبة (5)

وكذلك يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ التوبة (36)

كيف تكون هذه الآية هي آية الحكم على معاوية وجنده ومن ناصره، هذا ما سوف نبحثه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

أولاً : المؤمنون إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف عليهم أن يعودوا إلى أولي الأمر منهم ، وكان عليهم أن يعودوا في هذا الشعار إلى أولي الأمر منهم بدلاً من أن يفتتنوا في ماليس لهم به علم .

ثانياً : للإمام علي (ع) : حكم على معاوية وهذا الحكم من القرآن الكريم ، أي أنه أمر من عند الله وليس من عند نفسه ، تقول الآية في سورة التوبة ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) ، وعدم تنفيذ هذا الأمر هو بمثابة تضييع الرسالة الإلهية الحقيقة ، وإعادة الجهل من جديد ، لأن هذا العدو يستهدف الدين ولا يستهدف منطقة جغرافية محددة ، وإنما يستهدف قيادة الدين ، فيريد أن يقتل القادة الحقيقيين للدين ليبرز هو .