عقيدة العمل
| wishes# مقدمة
كان الحديث في الحلقة السابقة حول التفريق بين الأمنية العادية (إن صح التعبير) وبين عقيدة الأمنيات المتعلقة بالآخرة، وقد اتضح لنا أن القرآن الكريم وإن استخدم ذاتُ الكلمة إلا أن مدلولات الاستخدام مختلفة حسب السياق، وبهذا لزم التفريق بين الأمنيات التي هي تعبير عن الرغبات للحصول على شيء من الدنيا، وبين العقيدة المتعلقة بالآخرة والتي يصفها القرآن الكريم بالأمنيات. وقد توقفنا في الحلقة السابقة عند تعريف عقيدة الأمنيات من خلال الآية الشريفة (111) من سورة البقرة:
﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ البقرة (111)
ويتضح ومن خلال هذه الآية أن هذا الادعاء إنما هو نابع من العصبية، وليس له أساس في كتب الله السماوية. نحاول في حلقة هذا اليوم أن نعرض العقيدة السليمة التي جاءت بها كتب الله في قبال تلك العقيدة الباطلة، وهي ما يمكن أن نستنتج تسميتها من القرآن الكريم بـ (عقيدة العمل)، والتي تعني أنه يجب على المؤمن أن يعمل حتى ينال رضا الله ويدخل الجنة، لا أن يعوّل على معتقدات تقعده عن هذا التغيير في حياته. وهذا المسمى وما يحوي من مفهوم يمكن أن نستنتجه من آيات القرآن الكريم كما استنتجنا عقيدة الأمنيات، وسنبدأ في هذه الحلقة من حيث انتهينا في الحلقة السابقة في الآية (111) من سورة البقرة.
# عقيدة العمل
# عقيدة الأمنيات
﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ البقرة (111)
من خلال هذه الآية المباركة استنتجنا عقيدة الأمنيات، تلك العقيدة الباطلة التي يعارضها القرآن الكريم، أما حين نسأل عن العقيدة السليمة فهي في الآية التالية لهذه الآية وهي آية (112)،
# عقيدة العمل
﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ البقرة (112))
هذه الآية تجيب عن سؤال: من يستحق أن يدخل الجنة، وهو السؤال الذي أجاب عنه المتعصبون وتحدثت عنه الآية (111) على أساس طائفي، وعلى مبدأ الانتماء، ولكن هذه الآية تعطي الحقيقة الربانية والمنصوصة في الكتب السماوية وتبدأ بكلمة "بلى"، هاكم الحقيقة التي على أساسها يدخل المؤمن الجنة وهي : إسلام الوجه " من أسلم وجهه لله وهو محسن "
# إسلام الوجه لله
الإحسان لا يكون إلا في العمل، فنقول هذا عمل حسن، وهذا عمل أحسن منه، أما إسلام الوجه فيتجسد في التوجه لآيات الله وتصديقها والعمل بها وعدم تصديق ما يخالفها، إسلام الوجه لله، هو سلامته من أن يشاركه فيه أحد، وهو ما يعني التوجه التام لأوامر الله، وبهذا يكتمل المعنى للمقطع " بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن" فمن أخذ بهذا الكتاب وعمل به عمل المحسنين، أولئك فقط هم الذين يستحقون أن يدخلوا الجنة لا أولئك الذين يعتقدون بالأمنيات كما يزعم المتعصبون. من عمل عملًا صالحًا " فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
ومن خلال هذه الآية الشريفة يمكن أن نأخذ المسمى والمفهوم، فالمسمى هو عقيدة العمل، والمفهوم هو سعي الإنسان لتحقيق ما يطلبه الله سبحانه وتعالى في كتبه السماوية وتطبيق ما فيها. ومن خلال هذه النظرة نريد أن ندرس الآيات في سورة البقرة من آية (80) إلى آية (82) في صفحة 12 تحت هذا المسمى ومن خلال هذا العنوان.
هذا المقطع من الآيات الشريفة هو المقطع الأول من الآيات الأربع التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة، وهو يتحدث بكامله من آية (75) إلى آية (82) عن عقيدة الأمنيات، وقد ذكرت كلمة الأمنية في آية (78) ولكن الآيات المعنية بالدراسة هي من الآية (80) إلى آية (82)، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)﴾ البقرة
الآيات تستعرض عقيدة الأمنيات بمثل ما تحدثت به الآيتين الشريفتين (111) وآية (112) من نفس السورة والتي تحدثنا عنهما للتو، فالآية (80) تستعرض ما يدّعونه من عقيدة الأمنيات الباطلة، أما الآية (81) فهي ترد على الآية السابقة بذكر الحقيقة التي على أساسها سيحاسب الله سبحانه وتعالى الناس، والآية (82) تؤكد على أساس دخول الجنة :
# أولًا: الآية (80)
1- "وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً"
قولهم هذا هو الادعاء الباطل، وهو أن النار وإن مست المذنب منهم فلن تتجاوز مدة عذابه أيامًا معدودات، ثم يُخرج من النار فيدخل الجنة، وهذا بسبب أنهم أحباب الله " كما يعتقدون".
2- " قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ"
الرد على ذلك، هو ، اسألهم يامحمد (ص): هل اتخذتم عند الله عهدًا، وعهد الله هو الكتاب السماوي، ما يقوله الله ما يعد به المؤمنين في الكتاب المنزل هو العهد، والله سبحانه وتعالى إن وعد فلا يخلف وعده. ولكن الحقيقة هي أنكم تكذبون على الله بهذا.
3- " أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ "
والحقيقة أنكم تقولون على الله ما تعلمون، ولو أخذتم هذه العقيدة من الكتاب السماوي لعلمتم ما يريده الله منكم.
# ثانيا : الآية (81):
﴿ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)﴾
بلى: إن الحقيقة ليس كما تدعون ولكنها كما يقول الله سبحانه وتعالى في كل كتبه السماوية ولا مبدّل لكلمات الله، أن الإنسان سيجازى بعمله لا بانتمائه، أصحاب السيئات هم أصحاب النار وهم فيها خالدون، ولن يخرجوا منها بادعاء أنهم أحباب الله، أو أنهم مقربون منه، فالله سبحانه وتعالى يحب المتقين لا يحب طائفة دون أخرى.
كسب السيئة يكون بسبب الوقوع في الخطيئة، أما إحاطة الخطيئة هي عدم قدرة الإنسان من الخلاص من قوة الخطيئة عليه، فتحيط به كما يحيط به الجدار فيكون مأسوراً للخطأ ولا يستطيع الفرار منه، وهذا يكون بسبب تكرارها والتعود عليها.
# ثالثا: الآية (82) :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)﴾
ثم تؤكد هذه الآية الشريفة ذلك المسمى والمفهوم التابع له، وهو أن النجاة تكون على أساس عقيدة العمل، وتؤكد أن أولئك الذين جاهدوا أنفسهم وبذلوا من أجل إصلاحها، وترك الخطايا، وتطبيق ما أنزل الله هم الذين يستحقون الجنة: الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالآية تبرز كلمة العمل، في قبال كلمة الأمنية التي سبق ذكرها في الآية (78).
# خلاصة
يعارض القرآن الكريم عقيدة الأمنيات على أن تكون هي الأساس في دخول الجنة ، ويعرض عقيدة العمل على أنها هي الأساس الصحيح الذي جاءت به الرسل والكتب السماوية، فالأساس الحقيقي لدخول الجنة مبني على عمل الصالحات، ولا علاقة له بالانتماء أو تمييز طائفة على أخرى.